الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الزَّكَاةُ فَرْضٌ كَالصَّلاَةِ, هَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ; وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمِسْمَعِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ, وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ, فَإِذَا فَعَلُوهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ قال أبو محمد: وَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِقْدَارَ الزَّكَاةِ, وَمِنْ أَيِّ الأَمْوَالِ تُؤْخَذُ, وَفِي أَيِّ وَقْتٍ تُؤْخَذُ, وَمَنْ يَأْخُذُهَا, وَأَيْنَ تُوضَعُ . وَالزَّكَاةُ فَرْضٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الأَحْرَارِ مِنْهُمْ وَالْحَرَائِرُ وَالْعَبِيدُ, وَالإِمَاءُ, وَالْكِبَارُ وَالصِّغَارِ, وَالْعُقَلاَءُ, وَالْمَجَانِينُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ كَافِرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ تَعَالَى: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ, فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ, فَأَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ, تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ, وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ. فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ غَنِيٍّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْعَبْدُ وَالأَمَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فأما أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ فَقَالاَ: زَكَاةُ مَالِ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ; لأَِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ, وَلاَ يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ. قال أبو محمد: أَمَّا هَذَانِ فَقَدْ وَافَقَا أَهْلَ الْحَقِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ, وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي: هَلْ يَمْلِكُ الْعَبْدُ مَالَهُ أَمْ لاَ وَلَيْسَ هَذَا مَكَانَ الْكَلاَمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ; وَحَسْبُنَا أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ مَعَنَا فِي أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْعَبْدِ. وقال مالك: لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْعَبْدِ, لاَ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَى سَيِّدِهِ. وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا, لِخِلاَفِهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً, إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الْعَبْدُ لَيْسَ بِتَامِّ الْمِلْكِ. فَقُلْنَا: أَمَّا تَامُّ الْمِلْكِ فَكَلاَمٌ لاَ يُعْقَلُ. لَكِنَّ مَالَ الْعَبْدِ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ لاَ رَابِعَ لَهَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعَبْدِ, وَهَذَا قَوْلُنَا, وَإِذَا كَانَ لَهُ فَهُوَ مَالِكُهُ, وَهُوَ مُسْلِمٌ, فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ فَرْقَ. وأما أَنْ يَكُونَ لِسَيِّدِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, فَيُزَكِّيهِ سَيِّدُهُ; لأَِنَّهُ مُسْلِمٌ; وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لَهُمَا مَعًا. وأما أَنْ يَكُونَ لاَ لِلْعَبْدِ، وَلاَ لِلسَّيِّدِ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ. فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى السَّيِّدِ; وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ الإِمَامُ, فَيَضَعُهُ حَيْثُ يَضَعُ كُلَّ مَالٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ رَبٌّ. وَهَذَا لاَ يَقُولُونَ بِهِ, لاَ سِيَّمَا مَعَ تَنَاقُضِهِمْ فِي إبَاحَتِهِمْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ; فَلَوْلاَ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ مَالِكٌ لِمَالِهِ لَمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ فَرْجٍ لاَ يَمْلِكُهُ أَصْلاً, وَلَكَانَ زَانِيًا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ مَالِكًا مِلْكَ يَمِينِهِ لَكَانَ عَادِيًا إذَا تَسَرَّى. وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ عَلَى: السَّفِيهِ, وَالْمَجْنُونِ, وَلاَ يَنْفُذُ أَمْرُهُمَا فِي أَمْوَالِهِمَا; فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَالِ الْعَبْدِ. وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ, وَمَا رُوِيَ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ إلاَّ عَنْ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ بَيْنِ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ; وَقَدْ صَحَّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم: أَنَّ الْمُكَاتَبَ: عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَصَحَّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْعَبْدِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ; فَالزَّكَاةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَنَاقَضَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, فَقَالاَ: لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ. وَاحْتَجَّا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ مِلْكٌ بَعْدُ: قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ; لأَِنَّهُمَا مُجْمِعَانِ مَعَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الْمُكَاتَبِ فَلْسًا بِغَيْرِ إذْنِهِ, أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاجِبٍ، وَأَنَّ مَالَهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ, مِنْ نَفَقَةٍ عَلَى نَفْسِهِ, وَكِسْوَةٍ, وَبَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ, تَصَرُّفَ ذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ; فَلَوْلاَ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ مَا حَلَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهِ. وَهُمْ كَثِيرًا يُعَارِضُونَ السُّنَنَ بِأَنَّهَا خِلاَفُ الآُصُولِ, كَقَوْلِهِمْ فِي حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَحَدِيثِ الْعِتْقِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ بِالْقُرْعَةِ وَحَدِيثِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, فَلَيْتَ شِعْرِي. فِي أَيِّ الآُصُول وَجَدُوا مَالاً مَحْكُومًا بِهِ لاِِنْسَانٍ مَمْنُوعًا مِنْهُ كُلُّ أَحَدٍ سِوَاهُ مُطْلَقَةً عَلَيْهِ يَدُهُ فِي بَيْعٍ وَابْتِيَاعٍ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَسُكْنَى; وَهُوَ لَيْسَ لَهُ. أَمْ فِي أَيِّ سَنَةٍ وَجَدُوا هَذَا. أَمْ فِي أَيِّ الْقُرْآنِ. أَمْ فِي غَيْرِ قِيَاسٍ وَمِمَّنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ: أَبُو ثَوْرٍ, وَغَيْرُهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ; وَالشَّافِعِيَّ: مُجْمِعَانِ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ, عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ; فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِهِ دُونَ مَالِ غَيْرِهِ مِنْ الْعَبِيدِ. وَأَيْضًا فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَالِ الْمُكَاتَبِ, وَمَالِ الْعَبْدِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَعْتِقَ الْمُكَاتَبُ, فَمَالُهُ لَهُ وَزَكَاتُهُ عَلَيْهِ, وأما أَنْ يَرِقَّ, فَمَالُهُ قَبْلُ وَبَعْدُ كَانَ عِنْدَهُمَا لِسَيِّدِهِ; فَزَكَاتُهُ عَلَى السَّيِّدِ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِرِوَايَاتٍ رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَابْنِهِ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم: لاَ زَكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ, وَالْمُكَاتَبُ. قال أبو محمد: أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتِ, فَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِي مَالِ الْعَبْدِ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا بَعْضُهُ حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ خَطَأٌ; فَهَذَا هُوَ التَّحَكُّمُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ. وأما الْمَالِكِيُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ: قَدْ خَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هُوَ التُّسْتَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ الْحَذَّاءُ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ قُلْت: عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ. قَالَ: أَلَيْسَ مُسْلِمًا. قُلْت: بَلَى; قَالَ: فَإِنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةً فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ حدثنا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُطَرِّفُ بْنُ قَيْسٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. فَالزَّكَاةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْمُكَاتَبِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، أَنَّهُ قَالَ: لاُِقَاتِلَنِّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ, فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ قال أبو محمد: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الصَّلاَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ. وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ عَلَى مَا أَوْجَبَهُمَا النَّصُّ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, أَنَّهُ قَالَ: فِي مَالِ الْعَبْدِ, قَالَ: يُزَكِّيهِ الْعَبْدُ. وَبِهِ إلَى حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسٍ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ, أَنَّهُ قَالَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْعَبْدِ, قَالَ: يُزَكِّيهِ الْمَمْلُوكُ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ حُجَيْرٍ: أَنَّ طَاوُسًا كَانَ يَقُولُ: فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ زَمْعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فِي مَالِ الْعَبْدِ زَكَاةٌ وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا غُنْدَرٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَالَ: هَلْ عَلَيْهِ صَلاَةٌ: وَقَدْ رُوِّينَا نَحْوَ هَذَا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا قال أبو محمد: وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, كَقَوْلِهِمَا جَمِيعًا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ. وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ. وأما مَالُ الصَّغِيرِ, وَالْمَجْنُونِ; فَإِنَّ مَالِكًا, وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ بِقَوْلِنَا وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ, وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِ. وقال أبو حنيفة: لاَ زَكَاةَ فِي أَمْوَالِهِمَا مِنْ النَّاضِّ وَالْمَاشِيَةِ خَاصَّةً, وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي ثِمَارِهِمَا وَزُرُوعِهِمَا، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا تَقَدَّمَهُ إلَى هَذَا التَّقْسِيمِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ, وَابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ زَكَاةَ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ خَاصَّةً وأما الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالْمَوَاشِي فَفِيهَا الزَّكَاةُ وأما إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ, وَشُرَيْحٌ, فَقَالاَ: لاَ زَكَاةَ فِي مَالِهِ جُمْلَةً. قال أبو محمد: وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَسَقَطُ كَلاَمٍ وَأَغَثُّهُ لَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَكَاةِ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَوْ أَنَّ عَاكِسًا عَكَسَ قَوْلَهُمْ, فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي ذَهَبِهِمَا وَفِضَّتِهِمَا وَمَاشِيَتِهِمَا وَأَسْقَطَهَا عَنْ زَرْعِهِمَا وَثَمَرَتِهِمَا, أَكَانَ يَكُونُ بَيْنَ التَّحَكُّمَيْنِ فَرْقٌ فِي الْفَسَادِ قال أبو محمد: إنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لاَ صَلاَةَ عَلَيْهِمَا قِيلَ لَهُ: قَدْ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَمَّنْ لاَ مَالَ لَهُ، وَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلاَةُ وَإِنَّمَا تَجِبُ الصَّلاَةُ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ ذِي الْمَالِ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ; فَإِنْ سَقَطَ الْمَالُ: سَقَطَتْ الزَّكَاةُ, وَلَمْ تَسْقُطْ الصَّلاَةُ; وَإِنْ سَقَطَ الْعَقْلُ أَوْ الْبُلُوغُ: سَقَطَتْ الصَّلاَةُ وَلَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ; لأَِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ فَرْضٌ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم إلاَّ حَيْثُ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم . وَلاَ يَسْقُطُ فَرْضٌ مِنْ أَجْلِ سُقُوطِ فَرْضٍ آخَرَ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ, بِلاَ نَصِّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ. وَأَيْضًا: فَإِنْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ; لِسُقُوطِ الصَّلاَةِ عنهما, وَلأَِنَّهُمَا لاَ يَحْتَاجَانِ إلَى طَهَارَةٍ فَلِيُسْقِطَاهَا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا مِنْ زَرْعِهِمَا وَثِمَارِهِمَا، وَلاَ فَرْقَ; وَلِيُسْقِطَا أَيْضًا عنهما زَكَاةَ الْفِطْرِ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ, فَإِنْ قَالُوا: النَّصُّ جَاءَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى الصَّغِيرِ قلنا: وَالنَّصُّ جَاءَ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ, فَأَسْقَطْتُمُوهَا عَنْ رَقِيقِ التِّجَارَةِ بِآرَائِكُمْ, وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ, إذْ لَمْ يَقِيسُوا زَكَاةَ الْمَاشِيَةِ وَالنَّاضِّ عَلَى زَكَاةِ الزَّرْعِ, وَالْفِطْرِ أَوْ فَلْيُوجِبُوهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ; لِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ, وَلاَ فَرْقَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَكَاةُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الأَرْضِ, يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِهِمَا: قال أبو محمد: وَقَدْ كَذَبَ هَذَا الْقَائِلُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُجُوبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْمَوَاشِي مِنْ حِينِ اكْتِسَابِهَا إلَى تَمَامِ الْحَوْلِ وَبَيْنَ وُجُوبِهِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ مِنْ حِينِ ظُهُورِهَا إلَى حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِيهَا, وَالزَّكَاةُ سَاقِطَةٌ بِخُرُوجِ كُلِّ ذَلِكَ عَنْ يَدِ مَالِكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ, وَقَبْلَ حُلُولِ وَقْتِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ لاَ عَلَى الأَرْضِ, وَلاَ شَرِيعَةَ عَلَى أَرْضٍ أَصْلاً, إنَّمَا هِيَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} فَظَهَرَ كَذِبُ هَذَا الْقَائِلِ وَفَسَادُ قَوْلِهِ. وَأَيْضًا: فَلَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الأَرْضِ لاَ عَلَى صَاحِبِ الأَرْضِ لَوَجَبَ أَخْذُهَا فِي مَالِ الْكَافِرِ مِنْ زَرْعِهِ وَثِمَارِهِ, فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى النِّسَاءِ كَهِيَ عَلَى الرِّجَالِ. وَهُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ أَرَضُونَ كَثِيرَةٌ لاَ حَقَّ فِيهَا مِنْ زَكَاةٍ، وَلاَ مِنْ خَرَاجٍ كَأَرْضِ مُسْلِمٍ جَعَلَهَا قَصَبًا وَهِيَ تُغِلُّ الْمَالَ الْكَثِيرَ, أَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا شَيْئًا, وَكَأَرْضِ ذِمِّيٍّ صَالَحَ عَلَى جِزْيَةٍ رَأْسِهِ فَقَطْ وَقَدْ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ, وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ, وَأَشْهَبُ, وَالشَّافِعِيُّ: إنَّ الْخَرَاجِيَّ الْكَافِرَ إذَا ابْتَاعَ أَرْضَ عُشْرٍ مِنْ مُسْلِمٍ فَلاَ خَرَاجَ فِيهَا، وَلاَ عُشْرَ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ بِالْحِجَازِ وَالْيَمَنِ وَالْبَحْرَيْنِ كَانَتْ لَهُمَا أَرَضُونَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عليه السلام فِيهَا عُشْرًا، وَلاَ خَرَاجًا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ, وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يُفِيقَ قلنا: فَأَسْقَطُوا عنهما بِهَذِهِ الْحُجَّةِ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ, وَأُرُوشَ الْجِنَايَاتِ, الَّتِي هِيَ سَاقِطَةٌ بِهَا بِلاَ شَكٍّ, وَلَيْسَ فِي سُقُوطِ الْقَلَمِ سُقُوطُ حُقُوقِ الأَمْوَالِ, وَإِنَّمَا فِيهِ سُقُوطُ الْمَلاَمَةِ, وَسُقُوطُ فَرَائِضِ الأَبْدَانِ فَقَطْ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا لاَ نِيَّةَ لِمَجْنُونٍ, وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ, وَالْفَرَائِضُ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ قلنا: نَعَمْ, وَإِنَّمَا أُمِرَ بِأَخْذِهَا الإِمَامُ وَالْمُسْلِمُونَ, بِقَوْلِهِ تَعَالَى: حدثنا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ, وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاسِمَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ يَقُولُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تُزَكِّي أَمْوَالَنَا وَنَحْنُ أَيْتَامٌ فِي حِجْرِهَا; زَادَ يَحْيَى: وَإِنَّهُ لِيَتَّجِرَ بِهَا فِي الْبَحْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حدثنا وَكِيعٌ، حدثنا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ هُوَ الْحُدَّانِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ قَالَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنَّ عِنْدِي مَالَ يَتِيمٍ قَدْ كَادَتْ الصَّدَقَةُ أَنْ تَأْتِيَ عَلَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ قَالاَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَلِي مَالَ الْيَتِيمِ, قَالَ: يُعْطِي زَكَاتَهُ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: بَاعَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَرْضًا لَنَا بِثَمَانِينَ أَلْفًا, وَكُنَّا يَتَامَى فِي حِجْرِهِ; فَلَمَّا قَبَضْنَا أَمْوَالَنَا نَقَصَتْ. فَقَالَ: إنِّي كُنْت أُزَكِّيهِ وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: احْصِ مَا فِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ زَكَاةٍ, فَإِذَا بَلَغَ, فَإِنْ آنَسْت مِنْهُ رُشْدًا فَأَخْبِرْهُ, فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَالزُّهْرِيِّ, وَغَيْرِهِمْ, وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ إلاَّ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ; فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ وَقَدْ حدثنا حمام، عَنِ ابْنِ مُفَرِّجٍ، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " ابْتَغُوا فِي مَالِ الْيَتِيمِ لاَ تَأْكُلْهُ الزَّكَاةُ" وَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ, وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا الْمُرْسَلَ وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم . وَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ فِي ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ الأَمْوَالِ فَقَطْ وَهِيَ: الذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ, وَالْقَمْحُ, وَالشَّعِيرُ, وَالتَّمْرُ, وَالإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ ضَأْنُهَا وَمَاعِزُهَا فَقَطْ. قال أبو محمد: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ, وَفِيهَا جَاءَتْ السُّنَّةُ, عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ مِمَّا عَدَاهَا. وَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ, وَلاَ مِنْ الزَّرْعِ, وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا وَلاَ فِي الْخَيْلِ, وَلاَ فِي الرَّقِيقِ, وَلاَ فِي الْعَسَلِ, وَلاَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ, لاَ عَلَى مُدِيرٍ، وَلاَ غَيْرِهِ قال أبو محمد: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا; فَأَوْجَبَ بَعْضُهُمْ الزَّكَاةَ فِيهَا, وَلَمْ يُوجِبْهَا بَعْضُهُمْ وَاتَّفَقُوا فِي أَصْنَافٍ سِوَى هَذِهِ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهَا. فَمِمَّا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ كُلُّ مَا اُكْتُسِبَ لِلْقُنْيَةِ لاَ لِلتِّجَارَةِ, مِنْ جَوْهَرٍ, وَيَاقُوتٍ, وَوِطَاءٍ, وَغِطَاءٍ, وَثِيَابٍ, وَآنِيَةِ نُحَاسٍ; أَوْ حَدِيدٍ, أَوْ رَصَاصٍ, أَوْ قَزْدِيرٍ, وَسِلاَحٍ, وَخَشَبٍ, وَدُرُوعٍ وَضِيَاعٍ, وَبِغَالٍ, وَصُوفٍ, وَحَرِيرٍ; وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مَا عُمِلَ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ: فَفِيهِ الزَّكَاةُ; وَمَا لَمْ يُؤْكَلْ إلاَّ تَفَكُّهًا فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وقال مالك: الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الْقَمْحِ, وَالشَّعِيرِ, وَالسُّلْتِ وَهِيَ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. قَالَ: وَفِي الْعَلْسِ وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: إنَّهُ يُضَمُّ إلَى الْقَمْحِ, وَالشَّعِيرِ, وَالسُّلْتِ. قَالَ: وَفِي الدَّخَنِ; وَهُوَ صِنْفٌ مُنْفَرِدٌ, وَفِي السِّمْسِمِ وَالآُرْزِ, وَالذُّرَةِ, وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مُنْفَرِدٌ لاَ يُضَمُّ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي الْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَاللُّوبِيَا, وَالْعَدَسِ وَالْجُلُبَّانِ وَالْبَسِيلِ وَالتُّرْمُسِ; وَسَائِرِ الْقُطْنِيَّةِ. وَكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ صِنْفٌ وَاحِدٌ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ. قَالَ: وأما فِي الْبُيُوعِ فَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِيَالِهِ, إلاَّ الْحِمَّصَ, وَاللُّوبِيَا; فَإِنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَمَرَّةً رَأَى الزَّكَاةَ فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ, وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهِ وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ، وَلاَ فِي زَيْتِهَا، وَلاَ فِي الْكَتَّانِ, وَلاَ فِي الْكِرْسِنَّةِ. وَلاَ فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا، وَلاَ فِي اللُّفْتِ. وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الزَّيْتُونِ لاَ فِي حَبِّهِ. وَلَمْ يَرَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الثِّمَارِ, لاَ فِي تِينٍ، وَلاَ بَلُّوطٍ, وَلاَ قَسْطَلٍ, وَلاَ رُمَّانٍ, وَلاَ جَوْزِ الْهِنْدِ, وَلاَ جَوْزٍ, وَلاَ لَوْزٍ. وَلاَ غَيْرَ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلاً. وقال أبو حنيفة: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ مِنْ حُبُوبٍ أَوْ ثِمَارٍ أَوْ نُوَّارٍ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا حَتَّى الْوَرْدُ وَالسَّوْسَنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ حَاشَا ثَلاَثَةَ أَشْيَاءَ فَقَطْ, وَهِيَ: الْحَطَبُ, وَالْقَصَبُ, وَالْحَشِيشُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي قَصَبِ الذَّرِيرَةِ فَمَرَّةً رَأَى فِيهَا الزَّكَاةَ, وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا فِيهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ زَكَاةَ فِي الْخُضَرِ كُلِّهَا, وَلاَ فِي الْفَوَاكِهِ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ, وَاللَّوْزِ, وَالتِّينِ, وَحَبِّ الزَّيْتُونِ, وَالْجِلَّوْزِ وَالصَّنَوْبَرِ, وَالْفُسْتُقِ, وَالْكَمُّونِ, وَالْكَرَوْيَا وَالْخَرْدَلِ, وَالْعُنَّابِ, وَحَبِّ الْبَسْبَاسِ. وَفِي الْكَتَّانِ, وَفِي زَرِيعَتِهِ أَيْضًا, وَفِي حَبِّ الْعُصْفُرِ, وَفِي نُوَّارِهِ, وَفِي حَبِّ الْقِنَّبِ لاَ فِي كَتَّانِهِ, وَفِي الْفُوَّهِ إذَا بَلَغَ كُلُّ صِنْفٍ مِمَّا ذَكَرْنَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ, وَإِلاَّ فَلاَ وَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الزَّعْفَرَانِ, وَفِي الْقُطْنِ, وَالْوَرْسِ ثُمَّ اخْتَلَفَا: فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا بَلَغَ مَا يُصَابُ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ قَمْحٍ, أَوْ شَعِيرٍ, أَوْ مِنْ ذُرَةٍ, أَوْ مِنْ تَمْرٍ, أَوْ مِنْ زَبِيبٍ أَحَدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَقَطْ, لاَ مِنْ شَيْءٍ غَيْرَهَا: فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ قِيمَةِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ أَحَدِ مَا ذَكَرْنَا فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ بَلَغَ مَا يُرْفَعُ مِنْ الزَّعْفَرَانِ: خَمْسَةَ أَمْنَانٍ وَهِيَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ, وَإِلاَّ فَلاَ, وَكَذَلِكَ الْوَرْسُ. وَإِنْ بَلَغَ الْقُطْنُ خَمْسَةَ أَحْمَالٍ وَهِيَ ثَلاَثَةُ آلاَفِ رِطْلٍ فُلْفُلِيَّةٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ, وَإِلاَّ فَلاَ. وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ حَبَّ الْعُصْفُرِ إنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ زُكِّيَ هُوَ وَنُوَّارُهُ, وَإِنْ نَقَصَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُزَكَّ لاَ حَبُّهُ، وَلاَ نُوَّارُهُ. وَاخْتَلَفَا فِي الإِجَّاصِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْحِنَّاءِ, فَمَرَّةً أَوْجَبَا فِيهَا الزَّكَاةَ وَمَرَّةً أَسْقَطَاهَا وَأَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ خُيُوطِ الْقِنَّبِ, وَعَنْ حَبِّ الْقُطْنِ, وَعَنْ الْبَلُّوطِ, وَالْقَسْطَلِ, وَالنَّبْقِ وَالتُّفَّاحِ, وَالْكُمَّثْرَى, وَالْمِشْمِشِ, وَالْهَلِيلِجِ وَالْقِثَّاءِ, وَاللُّفْتِ, وَالتُّوتِ, وَالْخَرُّوبِ, وَالْحُرْفِ وَالْحُلْبَةِ, وَالشُّونِيزِ وَالْكُرَّاثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ, وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا: الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ, وَفِي كُلِّ ثَمَرَةٍ, وَفِي الْحَشِيشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, لاَ تَحَاشَ شَيْئًا. قَالُوا: فَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْكَيْلَ لَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الصِّنْفُ الْوَاحِدُ مِنْهُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَصَاعِدًا, وَمَا كَانَ لاَ يَحْتَمِلُ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ. وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ السَّلَفِ الأَوَّلِ أَقْوَالاً: فَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ الْكُرَّاثِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى الزَّكَاةَ فِي السُّلْتِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ, قَلَّ أَوْ كَثُرَ, وَهُوَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْهُ. وَرَوَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْهُ, وَأَنَّهُ قَالَ: فِي عَشْرِ دَسْتَجَاتِ بَقْلٍ دَسْتَجَةٌ. وَرَوَاهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شُعْبَةُ وَرُوِّينَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الثِّمَارِ عُمُومًا, دُونَ تَخْصِيصِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي التَّوَابِلِ وَالزَّعْفَرَانِ: عُشْرُ مَا يُصَابُ مِنْهَا. وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبُقُولِ. قال أبو محمد: أَمَّا مَا رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي السُّلْتِ فَإِنَّهُ قَدَّرَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقَمْحِ, وَلَيْسَ كَذَلِكَ, وَإِنْ كَانَ الْقَمْحُ يَسْتَحِيلُ فِي بَعْضِ الأَرَضِينَ سُلْتًا; فَإِنَّ اسْمَهُمَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُخْتَلِفٌ, وَحَدُّهُمَا فِي الْمُشَاهَدَةِ مُخْتَلِفٌ, فَهُمَا صِنْفَانِ بِلاَ شَكٍّ وَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْعَصِيرُ خَمْرًا, وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ خَلًّا, وَهِيَ أَصْنَافٌ مُخْتَلِفَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ; وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ بُرْهَانٌ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ مَعْقُولٍ عَلَى أَنَّ مَا اسْتَحَالَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ; فَهُمَا نَوْعٌ وَاحِدٌ; وَلَكِنْ إذَا اخْتَلَفَتْ الأَسْمَاءُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَعَ حُكْمٌ وَرَدَ فِي اسْمِ صِنْفٍ مَا عَلَى مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الاِسْمُ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يُوقَعَ عَلَى غَيْرِ السَّارِقِ حُكْمُ السَّارِقِ, وَعَلَى غَيْرِ الْغُنْمِ حُكْمُ الْغَنَمِ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ أَثَرًا لاَ يَصِحُّ, مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ, وَهُوَ سَاقِطٌ, عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إنَّ هَذَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فِي النَّخْلِ وَالزَّرْعِ قَمْحُهُ وَسُلْتُهُ وَشَعِيرُهُ فِيمَا سُقِيَ مِنْ ذَلِكَ بِالرِّشَاءِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لاَ تُسْنَدُ, وَقَدْ خَالَفَ خُصُومُنَا أَكْثَرَ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. وأما قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, فَإِنَّهُ حَدَّ حَدًّا فَاسِدًا لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ; وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ قَاسَ عَلَى الْبُرِّ, وَالشَّعِيرِ كُلَّ مَا يُعْمَلُ مِنْهُ خُبْزٌ أَوْ عَصِيدَةٌ, وَلَمْ يَقِسْ عَلَى التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ كُلَّ مَا يَتَقَوَّتُ مِنْ الثِّمَارِ, فَإِنَّ الْبَلُّوطَ وَالتِّينَ وَالْقَسْطَلَ وَجَوْزَ الْهِنْد أَقْوَى وَأَشْهَرَ فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّبِيبِ بِلاَ شَكٍّ; فَمَا عَلِمَنَا بَلَدًا يَكُونُ قُوتُ أَهْلِهِ الزَّبِيبُ صِرْفًا, وَنَعْلَمُ بِلاَدًا لَيْسَ قُوتُهَا إلاَّ الْقَسْطَلَ, وَجَوْزَ الْهِنْدِ وَالتِّينَ صِرْفًا; وَكَذَلِكَ الْبَلُّوطُ, وَقَدْ يُعْمَلُ مِنْهُ الْخُبْزُ وَالْعَصِيدَةُ; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وأما قَوْلُ مَالِكٍ فَأَشَدُّ وَأَبْيَنُ فِي الْفَسَادِ; لأَِنَّهُ إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ التَّقَوُّتَ فَإِنَّ الْقَسْطَلَ, وَالْبَلُّوطَ, وَالتِّينَ, وَجَوْزَ الْهِنْدِ, وَاللُّفْتَ, بِلاَ شَكٍّ أَقْوَى فِي التَّقَوُّتِ مِنْ الزَّيْتِ وَمِنْ الزَّيْتُونِ وَمِنْ الْحِمَّصِ وَمِنْ الْعَدَسِ وَمِنْ اللُّوبْيَاءِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ إيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ الْفُجْلِ. وَهُوَ لاَ يُؤْكَلُ, وَإِنَّمَا هُوَ لِلْوَقِيدِ خَاصَّةً، وَلاَ يُعْرَفُ إلاَّ بِأَرْضِ مِصْرَ فَقَطْ. وَأَخْبَرَنِي ثِقَةٌ فِي نَقْلِهِ وَتَمْيِيزِهِ أَنَّ الْمُسَمَّى بِمِصْرَ فُجْلاً يُعْمَلُ مِنْهُ الزَّيْتُ الَّذِي رَأَى مَالِكٍ فِيهِ الزَّكَاةَ, هُوَ النَّبَاتُ الْمُسَمَّى عِنْدَنَا بِالأَنْدَلُسِ " اللبشتر " وَهُوَ نَبَاتٌ صَحْرَاوِيٌّ لاَ يُغْتَرَسُ أَصْلاً. وَلَمْ يَرَ الزَّكَاةَ فِي زَيْتِ زَرِيعَةِ الْكَتَّانِ, وَلاَ فِي زَيْتِ السِّمْسِمِ, وَزَيْتِ الْجَوْزِ, وَزَيْتِ الهركان, وَزَيْتِ الزنبوج وَزَيْتِ الضَّرْوِ وَهَذِهِ تُؤْكَلُ وَيُوقِدُ بِهَا, وَهِيَ زُيُوتُ خُرَاسَانَ, وَالْعِرَاقِ, وَأَرْضِ الْمُصَامَدَةِ, وَصِقِلِّيَّةَ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لِقَوْلِهِ فِي قُرْآنٍ, وَلاَ فِي سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ فِي رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ دَلِيلِ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ, لأَِنَّ أَكْثَرَ مَا رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ لَيْسَ يُعْرَفُ بِالْمَدِينَةِ وَمَا نَعْرِفُ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ نَصًّا عنهما: إنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: قال أبو محمد: فَكَيْفَ تَكُونُ هَذِهِ الآيَةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّكَاةِ عِنْدَهُمَا, ثُمَّ يُسْقِطَانِ الزَّكَاةَ عَنْ أَكْثَرِ مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا بِاسْمِهِ مِنْ الرُّمَّانِ, وَسَائِرِ مَا يَكُونُ فِي الْجَنَّاتِ, وَهَذَا عَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الزَّكَاةَ فِيهَا فِيمَا يُحْصَدُ. فَقِيلَ لِلْمَالِكِيِّينَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ الزَّكَاةَ فِي الزَّيْتُونِ, وَهُوَ عِنْدَكُمْ لاَ يُحْصَدُ. وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّينَ: مَنْ لَكُمْ بِأَنَّ الْحَصَادَ لاَ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الزَّرْعِ. وَاَللَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ مَنَازِلَ الْكُفَّارِ فَقَالَ: مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ: اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا. وأما قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدٍ: فَأَسْقَطُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا وَأَشَدُّهَا تَنَاقُضًا; لأَِنَّهُمَا لَمْ يَلْتَزِمَا التَّحْدِيدَ بِمَا يُتَقَوَّتُ, وَلاَ بِمَا يُكَالُ, وَلاَ بِمَا يُؤْكَلُ، وَلاَ بِمَا يَيْبَسُ, وَلاَ بِمَا يُدَّخَرُ, وَأَتَيَا بِأَقْوَالٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. فَأَوْجَبَا الزَّكَاةَ فِي الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ, وَالْجِلَّوْزِ, وَالصَّنَوْبَرِ. وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْبَلُّوطِ, وَالْقَسْطَلِ, وَاللُّفْتِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْبَسْبَاسِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الشُّونِيزِ, وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي بَعْضِ الأَقْوَالِ فِي الثُّومِ وَالْبَصَلِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْكُرَّاثِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْكَتَّانِ وَحَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي حَبِّ الْعُصْفُرِ وَنُوَّارِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقُطْنِ دُونَ حَبِّهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي خُيُوطِ الْقِنَّبِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ خُيُوطِهِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْخَرْدَلِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ الْحُرْفِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الْعُنَّابِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ النَّبْقِ وَهُمَا أَخَوَانِ. وَأَوْجَبَاهَا فِي الرُّمَّانِ, وَأَسْقَطَاهَا عَنْ التُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَهِيَ سَوَاءٌ. فإن قيل: الرُّمَّانُ مَذْكُورٌ فِي الآيَةِ. قِيلَ: وَالزَّرْعُ مَذْكُورٌ فِي الآيَةِ. وَقَدْ أَسْقَطَا الزَّكَاةَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُزْرَعُ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ تُشْبِهُ مَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُ. وَمَا لَهُمَا مُتَعَلِّقٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ, وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ قَبْلَهُمَا, فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ الْفَاسِدُ أَيْضًا جُمْلَةً. وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِالْقُرْآنِ, وَلاَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ لأَِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الْقَصَبَ, وَالْحَشِيشَ وَوَرَقَ الثِّمَارِ كُلِّهَا, وَهَذَا تَخْصِيصٌ لِمَا احْتَجَّ بِهِ, بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ, مَعَ خِلاَفِهِ لِلسُّنَّةِ. فَخَرَجَ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الْجَوَازِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَقَوْلُنَا, فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ, فَوَجَدْنَا أَصْحَابَنَا يَحْتَجُّونَ بِالآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ غَيْرُ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ. فَوَجَدْنَا الآيَةَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَا لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ, وَالزَّكَاةُ مَدَنِيَّةٌ, بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ; فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ أُنْزِلَتْ فِي الزَّكَاةِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ: نَعَمْ هِيَ مَكِّيَّةٌ; إلاَّ هَذِهِ الآيَةَ وَحْدَهَا, فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ. قال أبو محمد: هَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا, وَتَخْصِيصٍ بِلاَ دَلِيلٍ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ. لأَِنَّ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ زَعَمَ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ ثَابِت بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ رضي الله عنه; إذْ جَذَّ ثَمَرَتَهُ فَتَصَدَّقَ مِنْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ مِنْهَا شَيْءٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهَا الزَّكَاةُ. وَالثَّانِي: قوله تعالى فِيهَا: وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ يَجُوزُ إيتَاؤُهَا يَوْمَ الْحَصَادِ; لَكِنْ فِي الزَّرْعِ بَعْدَ الْحَصَادِ, وَالدَّرْسِ وَالذَّرْوِ وَالْكَيْلِ, وَفِي الثِّمَارِ بَعْدَ الْيُبْسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَالْكَيْلِ. فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحَقُّ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الزَّكَاةُ الَّتِي لاَ تَجِبُ إلاَّ بَعْدَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّالِثُ: قوله تعالى فِي الآيَةِ نَفْسِهَا: {وَلاَ تُسْرِفُوا}، وَلاَ سَرَفَ فِي الزَّكَاةِ لأَِنَّهَا مَحْدُودَةٌ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا حَبَّةٌ، وَلاَ تُزَادُ أُخْرَى. فإن قيل: فَمَا هَذَا الْحَقُّ الْمُفْتَرَضُ فِي الآيَةِ. قلنا: نَعَمْ, هُوَ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ, وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْحَاصِدُ حِينَ الْحَصْدِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ، وَلاَ بُدَّ, لاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ, هَذَا ظَاهِرُ الآيَةِ. وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ, كَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, وَعَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي قوله تعالى: وَبِهِ إلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ. حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قوله تعالى: وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى: وَإِذَا طَيَّبْت: طَرَحْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا نَقَّيْته وَأَخَذْت فِي كَيْلِهِ: حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ: عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَإِذَا أَخَذْت فِي جِدَادِ النَّخْلِ طَرَحْت لَهُمْ مِنْ التَّفَارِيقِ وَالتَّمْرِ وَإِذَا أَخَذْت فِي كَيْلِهِ: حَثَوْت لَهُمْ مِنْهُ. وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ: عَزَلْت زَكَاتَهُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: هَذَا وَاجِبٌ حِينَ يُصْرِمُ. وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ فِي قوله تعالى: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قوله تعالى: وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. قَالَ: بَعْدَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَقَةِ, يُعْطِي الضِّغْثَ وَالشَّيْءَ. وَعَنْ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. قَالَ: لُقَاطِ السُّنْبُلِ. وَعَنْ عَطَاءٍ فِي قوله تعالى: وَلاَ يَصِحُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الزَّكَاةِ; لأَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ, وَهُوَ سَاقِطٌ; وَمِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ, وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ نُسِخَ لَمْ يُصَدَّقْ إلاَّ بِنَصٍّ مُتَّصِلٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلاَّ فَمَا يَعْجَزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِي أَيِّ آيَةٍ شَاءَ, وَفِي أَيِّ حَدِيثٍ شَاءَ: أَنَّهُ مَنْسُوخٌ. وَدَعْوَى النَّسْخِ إسْقَاطٌ لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ; وَهَذَا لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِنَصٍّ مُسْنَدٍ صَحِيحٍ. وأما قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ دَالِيَةٍ نِصْفُ الْعُشْرِ فَهُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ; لَوْ لَمْ يَأْتِ مَا يَخُصُّهُ لَمْ يَجُزْ خِلاَفُهُ لأَِحَدٍ. لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ, وَعَمْرٌو النَّاقِدِ, وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ, قَالُوا كُلُّهُمْ حدثنا وَكِيعٌ: وَقَالَ الطَّلْمَنْكِيُّ حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ: ثُمَّ اتَّفَقَ وَكِيعٌ, وَيَحْيَى, كِلاَهُمَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : )) لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقِ تَمْرٍ، وَلاَ حَبٍّ صَدَقَةٌ. قَالَ وَكِيعٌ فِي رِوَايَتِهِ " مِنْ تَمْرٍ " وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ. قال أبو محمد: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ, فَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّدَقَةَ عَنْ كُلِّ مَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ. وَلَفْظَةُ " دُونَ " فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ تَقَعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ وُقُوعًا مُسْتَوِيًا, لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ, وَهُمَا بِمَعْنَى: أَقَلُّ, وَبِمَعْنَى: غَيْرُ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَحَيْثُمَا وَقَعَتْ لَفْظَةُ " دُونَ " فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ بِمَعْنَى: غَيْرُ; فَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِلَفْظَةِ " دُونَ " فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى مَعْنَى: أَقَلُّ دُونَ مَعْنَى: غَيْرُ وَنَحْنُ إذَا حَمَلْنَا " دُونَ " هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى: غَيْرُ دَخَلَ فِيهِ: أَقَلُّ; وَتَخْصِيصُ اللَّفْظِ بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ نَصٍّ لاَ يَحِلُّ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي غَيْرِ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ, وَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِنَصِّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ فِي الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَبِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقِّنِ وَالنَّصِّ أَيْضًا. وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، وَلاَ نَصَّ فِيهِ, بِنَفْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ عَنْ كُلِّ مَا هُوَ غَيْرُ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ ثُمَّ وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ " حَبٍّ " فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى: {حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَبُّ: الْبُرُّ, وَالْقَضْبُ: الْفِصْفِصَةُ, فَاقْتَصَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ بِالْحَبِّ عَلَى الْبُرِّ. وَذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد الدِّينَوَرِيُّ اللُّغَوِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي النَّبَاتِ فِي بَابِ تَرْجَمَتِهِ " بَابُ الزَّرْعِ وَالْحَرْثِ وَأَسْمَاءِ الْحَبِّ وَالْقَطَانِيِّ وَأَوْصَافِهَا " فَقَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَهُوَ الشَّيْبَانِيُّ جَمِيعُ بُزُورِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا " الْحِبَّةُ " بِكَسْرِ الْحَاءِ. قال أبو محمد كَمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ: وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: وَاحِدُ الْحَبَّةِ: حَبَّةُ, بِفَتْحِ الْحَاءِ; فأما الْحَبُّ فَلَيْسَ إلاَّ الْحِنْطَةَ, وَالشَّعِيرَ, وَاحِدُهَا حَبَّةٌ, بِفَتْحِ الْحَاءِ; وَإِنَّمَا افْتَرَقَتَا فِي الْجَمْعِ. ثُمَّ ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذَا الْفَصْلِ إثْرَ كَلاَمٍ ذَكَرَهُ لاَِبِي نَصْرٍ صَاحِبِ الأَصْمَعِيِّ كَلاَمًا نَصُّهُ: وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُبُوبِ كَالآُرْزِ, وَالدَّخَنِ, قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ ثَلاَثَةُ جُمُوعٍ: الْحَبُّ لِلْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرُ خَاصَّةً, وَالْحِبَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَزِيَادَةِ الْهَاءِ فِي آخِرِهَا لِكُلِّ مَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبُزُورِ خَاصَّةً, وَالْحُبُوبُ لِلْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَسَائِرِ الْبُزُورِ. وَالْكِسَائِيُّ إمَامٌ فِي اللُّغَةِ, وَفِي الدِّينِ, وَالْعَدَالَةِ. فَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَبَّ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ, وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَصًّا بِنَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ: فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْ النَّبَاتِ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ التَّمْرِ. وَقَدْ رَوَى مَنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ, عَمَّنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ, وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ, عَمَّنْ لاَ يُوثَقُ بِهِ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُبُوبِ وَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبِ الأَنْدَلُسِيُّ عَنْ الطَّلْحِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ, وَهُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ. قال أبو محمد: وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ بِمِثْلِ هَذَا, وَزَادُوا إلَى هَذِهِ الثَّلاَثَةِ: الزَّبِيبَ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ, وَطَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: قَالَ عَمْرٌو عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ لَمْ يَأْخُذْ الصَّدَقَةَ إلاَّ مِنْ الْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ. وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا إلاَّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ, قَالَ: مَا كَانَ مِنْ نَخْلٍ, أَوْ عِنَبٍ, أَوْ حِنْطَةٍ, أَوْ شَعِيرٍ. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ حدثنا يَزِيدُ عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الْعُشْرَ إلاَّ فِي الْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ عَنْ الْحَسَنِ, وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالاَ: الصَّدَقَةُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: الذَّهَبِ, وَالْوَرِقِ, وَالإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حُمَيْدٍ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَسَنِ، هُوَ ابْنُ حَيٍّ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ قَالَ لِي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَقَدْ سَأَلْته عَنْ الأَقْطَانِ, وَالسَّمَاسِمِ: أَفِيهَا صَدَقَةٌ. قَالَ: مَا حَفِظْنَا عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا شَيْءٌ, إلاَّ فِي الْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ. قال أبو محمد: الْحَكَمُ أَدْرَكَ كِبَارَ التَّابِعِينَ وَبَعْضَ الصَّحَابَةِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: سَأَلَ عَبْدُ الْحُمَيْدِ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ مُوسَى: إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي: الْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ. وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ, وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لاَ صَدَقَةَ إلاَّ فِي نَخْلٍ, أَوْ عِنَبٍ, أَوْ حَبٍّ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ, وَأَبِي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ. قال أبو محمد: وَادَّعَى مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا أَنَّ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الزَّبِيبِ إجْمَاعٌ, وَذَكَرَ آثَارًا لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ. أَحَدُهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ: عِنْدَنَا كِتَابُ مُعَاذٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ: التَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ. قال أبو محمد: هَذَا مُنْقَطِعٌ, لأَِنَّ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ لَمْ يُدْرِكُ مُعَاذًا بِعَقْلِهِ. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى, وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ, عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ, وَهِيَ صَحِيفَةٌ, عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعُشْرُ فِي: التَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ, وَالْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ. وَخُصُومُنَا يُخَالِفُونَ كَثِيرًا مِنْ صَحِيفَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ, وَلاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً. وَآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ, وَكِلاَهُمَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيِّ, وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبِ الأَنْدَلُسِيِّ عَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ, عَنْ نَصْرِ بْنِ طَرِيفٍ وَهُوَ أَبُو جُزْءٍ, وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ; كُلُّهُمْ يَذْكُرُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدَ أَنَّهُ أَمَرَ بِخَرْصِ الْعِنَبِ. وَسَعِيدٌ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عَتَّابٍ بِسَنَتَيْنِ. وَعَتَّابٌ لَمْ يُوَلِّهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلاَّ مَكَّةَ، وَلاَ زَرْعَ بِهَا, وَلاَ عِنَبَ. فَسَقَطَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ, وَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الآثَارِ لاََخَذْنَا بِهِ, وَلَمَا حَلَّ لَنَا خِلاَفُهُ, كَمَا لاَ يَحِلُّ الأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخَبَرٍ لاَ يَصِحُّ. وأما دَعْوَى الإِجْمَاعِ فَبَاطِلٌ: كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ مِنْ: الْحِنْطَةِ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ كَانَ لاَ يَرَى فِي الْعِنَبِ صَدَقَةً. وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ حدثنا هُشَيْمٌ عَنْ الأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: الصَّدَقَةُ فِي: الْبُرِّ, وَالشَّعِيرِ, وَالتَّمْرِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٌ، حدثنا غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَيْلِ زَكَاةٌ، وَلاَ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ; وَلَيْسَ فِي الزَّبِيبِ: شَيْءٌ. فَهَؤُلاَءِ: شُرَيْحٌ, وَالشَّعْبِيُّ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, لاَ يَرَوْنَ فِي الزَّبِيبِ زَكَاةً. قال أبو محمد: وَلَيْسَ إلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْهُ الأَرْضُ; عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ أَوْ قَوْلِنَا, وَهُوَ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاسْمِهِ, عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مِنْ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ، وَلاَ تَمْرٍ صَدَقَةٌ. وأما مَنْ أَسْقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُهُ, وَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ: فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ, وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ, وَلاَ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِتَعْلِيلٍ مُطَّرِدٍ; بَلْ خَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ; لأَِنَّهُمْ إنْ رَاعَوْا الْقُوتَ, فَقَدْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الأَقْوَاتِ: كَالتِّينِ, وَالْقَسْطَلِ, وَاللَّبَنِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَأَوْجَبُوهُ فِيمَا لَيْسَ قُوتًا: كَالزَّيْتِ وَالْحِمَّصِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُتَقَوَّتُ إلاَّ لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ. وَإِنْ رَاعَوْا الأَكْلَ فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُؤْكَلُ, وَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ فِيمَا لاَ يُؤْكَلُ: كَزَيْتِ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِنْ رَاعَوْا مَا يُوسَقُ, فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوسَقُ. ثُمَّ أَيْضًا لَوْ رَاعَوْا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَطَرَدُوا أَصْلَهُمْ لَكَانُوا قَائِلِينَ بِلاَ بُرْهَانٍ; لَكِنْ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ وَظَنٍّ كَاذِبٍ, وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلاَّ أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ; فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الأَرْضُ حَرَجٌ شَدِيدٌ, وَشِقُّ الأَنْفُسِ, وَعُسْرٌ لاَ يُطَاقُ. وَالأَخْذُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ, وَمُمْتَنِعٌ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ; لأَِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لاَ يَنْبُتَ فِي دَارِ أَحَدٍ, أَوْ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ لَهُ: عُشْبٌ, وَلَوْ أَنَّهُ وَرَقَةٌ وَاحِدَةٌ, أَوْ نَرْجِسَةُ, أَوْ فُولٌ, أَوْ غُصْنُ حُرْفٍ أَوْ بَهَارَةٌ أَوْ تِينَةٌ وَاحِدَةٌ إلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُ كُلِّ ذَلِكَ, أَوْ نِصْفُ عُشْرِهِ. وَكَذَلِكَ وَرَقُ الشَّجَرِ وَالتِّبْنُ, حَتَّى تِبْنُ الْفُولِ, وَقَصَبُ الْكَتَّانِ; نَعَمْ. وَأُصُولُ الشَّجَرِ نَفْسُهَا; لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِمَّا يَسْقِيهِ الْمَاءُ; وَهَذَا مَا لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: فإن قيل: يُفْعَلُ فِي ذَلِكَ مَا يَفْعَلُ الشَّرِيكَانِ فِيهِ. قلنا: هَذَا لاَ يَجُوزُ; لأَِنَّ بَيْعَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ صَاحِبِهِ مُبَاحٌ, وَتَحْلِيلُهُ لَهُ جَائِزٌ, وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا, وَلاَ التَّحْلِيلُ مِنْهَا أَصْلاً. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ نَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ بِبَيَانِ نَصٍّ آخَرَ. فَصَحَّ أَنْ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِيمَا أَوْجَبَهُ بَيَانُ نَصٍّ غَيْرِ ذَلِكَ النَّصِّ, أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ, وَلاَ نَصَّ، وَلاَ إجْمَاعَ إلاَّ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ فَقَطْ. وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا فَإِنَّمَا يُشَرِّعُ بِرَأْيِهِ, وَيُخَصِّصُ الأَثَرَ بِظَنِّهِ الْكَاذِبِ وَهَذَا حَرَامٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما الْمَعَادِنُ: فَإِنَّ الآُمَّةَ مُجْمِعَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَ, وَالْحَدِيدَ, وَالرَّصَاصَ, وَالْقَزْدِيرَ: لاَ زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا, وَإِنْ كَثُرَتْ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا فِي: الدَّنَانِيرِ, وَالدَّرَاهِمِ, وَالْحُلِيِّ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُزَكَّى تِلْكَ الدَّنَانِيرُ, وَالدَّرَاهِمُ: بِوَزْنِهَا. قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْقَطَ الزَّكَاةَ نَصًّا فِيمَا دُونِ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ, وَفِيمَا دُونِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّهَبِ, وَلَمْ يُوجِبْ بِلاَ خِلاَفٍ زَكَاةً فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ, فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ, وَالدَّرَاهِمِ الْمَمْزُوجَةِ بِالنُّحَاسِ, أَوْ الْحَدِيدِ, أَوْ الرَّصَاصِ, أَوْ الْقَزْدِيرِ; فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الرَّقَّةِ. وَالثَّانِيَةُ فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا إذْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي: الصُّفْرِ, وَالرَّصَاصِ, وَالْقَزْدِيرِ, وَالْحَدِيدِ, إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا بِفِضَّةٍ, أَوْ ذَهَبٍ, وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْهَا إذَا كَانَتْ صِرْفًا وَهَذَا تَحَكُّمٌ لاَ يَحِلُّ. وَأَيْضًا: فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ مُزِجَ بِفِضَّةٍ, أَوْ ذَهَبٍ, فَكَانَ الْمَمْزُوجُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ, وَمِنْ الْفِضَّةِ. ثُمَّ لاَ نَزَالُ نَزِيدُهُمْ إلَى أَنْ نَسْأَلَهُمْ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ فَلْسُ فِضَّةٍ فَقَطْ وَسَائِرُهَا نُحَاسٌ. فَإِنْ جَعَلُوا فِيهَا الزَّكَاةَ أَفْحَشُوا جِدًّا, وَإِنْ أَسْقَطُوهَا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي يُوجِبُونَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِي يُسْقِطُونَهَا فِيهِ. فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ, وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا حَدًّا كَانُوا قَدْ خَلَطُوا مَا يُحَرِّمُونَ بِمَا يُحِلُّونَ; وَلَمْ يُبَيِّنُوا لاَِنْفُسِهِمْ، وَلاَ لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ الْحَرَامَ فَيَجْتَنِبُوهُ, مِنْ الْحَلاَلِ فَيَأْتُوهُ. قال أبو محمد: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا, هُوَ أَنَّ الأَسْمَاءَ فِي اللُّغَةِ وَالدِّيَانَةِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتٍ مَحْمُولَةٍ فِيهَا; فَلِلْفِضَّةِ صِفَاتُهَا الَّتِي إذَا وُجِدَتْ فِي شَيْءٍ سُمِّيَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِضَّةً; وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اسْمِ الذَّهَبِ وَاسْمِ النُّحَاسِ وَاسْمِ كُلِّ مُسَمًّى فِي الْعَالَمِ. وَأَحْكَامُ الدِّيَانَةِ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الأَسْمَاءِ; فَلِلْفِضَّةِ حُكْمُهَا, وَلِلذَّهَبِ حُكْمُهُ, وَكَذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ فِي الْعَالَمِ. فَإِذَا سَقَطَ الاِسْمُ الَّذِي عَلَيْهِ جَاءَ النَّصُّ بِالْحُكْمِ سَقَطَ ذَلِكَ الْحُكْمُ, وَانْتَقَلَ الْمُسَمَّى إلَى الْحُكْمِ الَّذِي جَاءَ فِي النَّصِّ عَلَى الاِسْمِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ; كَالْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ, وَالْخَلِّ, وَالْمَاءِ, وَالدَّمِ, وَاللَّبَنِ, وَاللَّحْمِ, وَالآنِيَةِ, وَالدَّنَانِيرِ, وَكُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ. فَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ لاَ يُغَيِّرُ صِفَاتِهِمَا الَّتِي مَا دَامَتْ فِيهَا سُمِّيَا فِضَّةً; وَذَهَبًا فَهِيَ فِضَّةٌ وَذَهَبٌ; فَالزَّكَاةُ فِيهِمَا. وَإِنْ كَانَ الْمَزْجُ فِي الْفِضَّةِ, أَوْ الذَّهَبِ قَدْ غَيَّرَ صِفَاتِهِمَا وَسَقَطَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ اسْمُ فِضَّةٍ وَاسْمُ ذَهَبٍ لِظُهُورِ الْمَزْجِ فِيهِمَا فَهُوَ حِينَئِذٍ: فِضَّةٌ مَعَ ذَهَبٍ; أَوْ فِضَّةٌ مَعَ نُحَاسٍ, فَالْوَاجِبُ أَنَّ فِي مِقْدَارِ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي تِلْكَ الدَّرَاهِمِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا خَاصَّةً, وَلاَ زَكَاةَ فِي النُّحَاسِ الظَّاهِرِ فِيهَا أَثَرُهُ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مَا مُزِجَ بِهِ. فَإِنْ كَانَ فِي الدَّنَانِيرِ ذَهَبٌ تَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ, وَفِضَّةٌ لاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ; فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ, وَمَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ; فَالزَّكَاةُ فِيمَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ الذَّهَبِ. وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَمِنْ الذَّهَبِ مَا تَجِبُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الزَّكَاةُ, زُكِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَحُكْمِهِ وَلَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا. وَإِنْ كَانَ مَا فِيهِمَا مِنْ الذَّهَبِ وَمِنْ الْفِضَّةِ لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَوْ انْفَرَدَ, فَلاَ زَكَاةَ هُنَاكَ أَصْلاً. فَإِنْ زَادَ الْمَزْجُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِلْفِضَّةِ، وَلاَ لِلذَّهَبِ هُنَاكَ صِفَةٌ فَلَيْسَ فِي تِلْكَ الأَعْيَانِ فِضَّةٌ أَصْلاً، وَلاَ ذَهَبٌ; فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا أَصْلاً, اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما الْخَيْلُ, وَالرَّقِيقُ فَقَدْ حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ الرَّأْسِ عَشَرَةً وَمِنْ الْفَرَسِ عَشَرَةً, وَمِنْ الْبَرَاذِينِ خَمْسَةً يَعْنِي رَأْسَ الرَّقِيقِ وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ, وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ دِينَارٍ قَالَ: إنَّ حَيَّ بْنَ يَعْلَى أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ يَقُولُ: ابْتَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمَيَّةَ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فَرَسًا أُنْثَى بِمِائَةِ قَلُوصٍ; فَنَدِمَ الْبَائِعُ, فَلَحِقَ بِعُمَرَ, فَقَالَ: غَصَبَنِي يَعْلَى وَأَخُوهُ فَرَسًا لِي. فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى يَعْلَى: أَنْ الْحَقْ بِي فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ; فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ الْخَيْلَ لَتَبْلُغُ عِنْدَكُمْ هَذَا فَقَالَ يَعْلَى: مَا عَلِمْت فَرَسًا بَلَغَ هَذَا قَبْلَ هَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: فَنَأْخُذُ مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَلاَ نَأْخُذُ مِنْ الْخَيْلِ شَيْئًا خُذْ مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا قَالَ: قَالَ: فَضَرَبَ عَلَى الْخَيْلِ دِينَارًا دِينَارًا. حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُسَيْنٍ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ السَّائِبَ ابْنَ أُخْتِ نَمِرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِصَدَقَاتِ الْخَيْلِ, قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُصْدِقُ الْخَيْلَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ مَرْوَانَ بَعَثَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ بِزَكَاةِ رَقِيقِك. فَقَالَ لِلرَّسُولِ: إنَّ مَرْوَانَ لاَ يَعْلَمُ إنَّمَا عَلَيْنَا أَنْ نُطْعِمَ عَنْ كُلِّ رَأْسٍ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ صَاعَ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ; وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: وَفِي الْخَيْلِ الزَّكَاةُ. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ إلَى أَنَّ فِي الْخَيْلِ الزَّكَاةَ وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الآثَارِ, وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً. وَقَالُوا: وَالْخَيْلُ أَمْوَالٌ; فَالصَّدَقَةُ فِيهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ, وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَفِيهِ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا, وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا, وَلاَ ظُهُورِهَا, فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ. قال أبو محمد: هَذَا مَا مَوَّهَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ الاِحْتِجَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلِ الصَّحَابَة; وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ: أَمَّا الآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الأَمْوَالِ صَدَقَةٌ, وَإِنَّمَا فِيهَا خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلَوْ لَمْ يَرِدْ إلاَّ هَذَا النَّصُّ وَحْدَهُ لاََجْزَأَ فَلْسٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ; لأَِنَّهُ صَدَقَةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الآيَةِ أَنَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الأَمْوَالِ صَدَقَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ, وَلاَ مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ, وَلاَ مَتَى تُؤْخَذُ تِلْكَ الصَّدَقَةُ. وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ, قَالَ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ, وَهُوَ حُمِلَ عَلَى مَا طَابَتْ نَفْسُهُ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى, وَعَارِيَّةُ ظُهُورِهَا لِلْمُضْطَرِّ. وأما فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما فَقَدْ خَالَفُوهُمَا, وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ الذُّكُورِ وَلَوْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفَ فَرَسٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا, أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا, سَائِمَةً غَيْرَ مَعْلُوفَةٍ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ, وَصِفَةُ تِلْكَ الزَّكَاةِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَيْل مُخَيَّرٌ, إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِمَ; وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا فَأَعْطَى مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ. قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفُ فِعْلِ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَ عُمَرَ فِي أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ, فَكَيْفَ يَجُوزُ لِذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِعْلِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَخَالَفُوا عَلِيًّا فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ جُمْلَةً, وَأَتَوْا بِقَوْلٍ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ; فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَذَهَبَ جُمْهُورُ النَّاسِ إلَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ أَصْلاً. حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيِّ عَنْ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ إنَّمَا أَخَذَهَا عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ مِنْهُمْ لاَ وَاجِبَةٌ. حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ بِالصَّدَقَةِ; فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, خَيْلٌ لَنَا وَرَقِيقٌ افْرِضْ عَلَيْنَا عَشَرَةً عَشَرَةً. فَقَالَ عُمَرُ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَفْرِضُ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ. حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَرَأْت عَلَى أَبِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ زُهَيْرٍ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ عَنْ حَارِثَةَ، هُوَ ابْنُ مُضَرِّبٍ قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَتَاهُ أَشْرَافُ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, إنَّا أَصَبْنَا رَقِيقًا وَدَوَابَّا فَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا صَدَقَةً تُطَهِّرُنَا وَتَكُونُ لَنَا زَكَاةً. فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَفْعَلْهُ اللَّذَانِ كَانَا قَبْلِي. قال أبو محمد: هَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ, وَالإِسْنَادُ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْخَيْلِ صَدَقَةً، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ. وَأَنَّ عَلِيًّا بَعْدَهُ لَمْ يَأْخُذْهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الْخَيْلِ, فَأَدُّوا صَدَقَةَ أَمْوَالِكُمْ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ، وَلاَ فِي فَرَسِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ. وَالْفَرَسُ وَالْعَبْدُ اسْمٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ, وَلَوْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَقَةٌ لَمَا أَغْفَلَ عليه السلام بَيَانَ مِقْدَارِهَا وَمِقْدَارِ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءٍ, وَمَكْحُولٍ, وَالشَّعْبِيِّ, وَالْحَسَنِ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَهُوَ فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِنَا. وأما الْحَمِيرُ فَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ فِيهَا الزَّكَاةَ, إلاَّ شَيْئًا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, قَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْته عَنْ الْحَمِيرِ أَفِيهَا زَكَاةٌ. فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: أَمَّا أَنَا فَأُشَبِّهُهَا بِالْبَقَرِ، وَلاَ نَعْلَمُ فِيهَا شَيْئًا. قال أبو محمد: كُلُّ مَا لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ بِزَكَاةٍ مَحْدُودَةٍ مَوْصُوفَةٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ. وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ عَلَى مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وأما الْعَسَلُ: فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابَهُمْ: لَمْ يَرَوْا فِيهِ زَكَاةً. وقال أبو حنيفة: إنْ كَانَ النَّحْلُ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ, وَهُوَ عُشْرُ مَا أُصِيبَ مِنْهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَرَأَى فِي الْمَوَاشِي الزَّكَاةَ, سَوَاءٌ كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذْ بَلَغَ الْعَسَلُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ فَفِيهِ رَطْلٌ وَاحِدٌ; وَهَكَذَا مَا زَادَ فَفِيهِ الْعُشْرُ, وَالرَّطْلُ هُوَ الْفُلْفُلِيُّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إذَا بَلَغَ الْعَسَلُ خَمْسَةَ أَفْرَاقٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ, وَإِلاَّ فَلاَ وَالْفَرْقُ: سِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ رَطْلاً فُلْفُلِيَّةً, وَالْخَمْسَةُ الأَفْرَاقِ: مِائَةُ رَطْلٍ وَثَمَانُونَ رَطْلاً فُلْفُلِيَّةً; قَالَ: وَالسُّكَّرُ كَذَلِكَ. قال أبو محمد: أَمَّا مُنَاقَضَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِيجَابُهُ الزَّكَاةَ فِي الْعَسَلِ وَلَوْ أَنَّهُ قَطْرَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَظَاهِرَةٌ لاَ خَفَاءَ بِهَا. وأما تَحْدِيدُ صَاحِبِيهِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْخَبْطِ وَالتَّخْلِيطِ. وَهُوَ إلَى الْهَزْلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْجِدِّ. لَكِنَّ فِي الْعَسَلِ خِلاَفٌ قَدِيمٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لاَِهْلِ الْيَمَنِ فِي الْعَسَلِ: إنَّ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَفْرَاقٍ فَرْقًا. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّهُ أَخَذَ عُشْرَ الْعَسَلِ مِنْ قَوْمِهِ وَأَتَى بِهِ عُمَرُ; فَجَعَلَهُ عُمَرُ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ; قَالَ: وَقَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمْتُ وَاسْتَعْمَلَنِي عَلَى قَوْمِي, وَاسْتَعْمَلَنِي أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ, ثُمَّ اسْتَعْمَلَنِي عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَقُلْت لِقَوْمِي: فِي الْعَسَلِ زَكَاةٌ, فَإِنَّهُ لاَ خَيْرَ فِي مَالٍ لاَ يُزَكَّى فَقَالُوا: كَمْ تَرَى. فَقُلْت: الْعُشْرُ, فَأَخَذْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ مُرَّةَ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي عُشُورِ الْعَسَلِ: مَا كَانَ مِنْهُ فِي السَّهْلِ فَفِيهِ الْعُشْرُ, وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَبَلِ فَفِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ. وَصَحَّ عَنْ مَكْحُولٍ, وَالزُّهْرِيِّ: أَنَّ فِي كُلِّ عَشْرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ الْعَسَلِ زِقًّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى: فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزْقَاقٍ مِنْ عَسَلٍ زِقٌّ, قَالَ: وَالزِّقُّ يَسَعُ رَطْلَيْنِ. وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ, وَابْنِ وَهْبٍ, وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ هِلاَلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: سَلَبَةُ, فَحَمَاهُ لَهُ وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرِّرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ: أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشُورُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ أَبَا سَيَّارَةَ الْمُتَعِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ لِي نَحْلاً. قَالَ: فَأَدِّ مِنْهُ الْعُشْرَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ كَتَبْت إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ زَكَاةِ الْعَسَلِ. فَذَكَرَ جَوَابَهُ, وَفِيهِ, أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ لِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ مِنْ أَهْلِي: أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّعْدِيَّ قَالَ لَهُ: إنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْعَسَلِ. فَرَدَّ إلَيْهِ عُمَرُ: قَدْ وَجَدْنَا بَيَانَ صَدَقَةِ الْعَسَلِ بِأَرْضِ الطَّائِفِ; فَخُذْ مِنْهُ الْعُشُورَ قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: فَصَحِيفَةٌ لاَ تَصِحُّ, وَقَدْ تَرَكُوهَا حَيْثُ لاَ تُوَافِقُ تَقْلِيدَهُمْ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ. وأما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ وَهُوَ أَسْقَطُ مِنْ كُلِّ سَاقِطٍ مُتَّفَقٌ عَلَى اطِّرَاحِهِ. وأما حَدِيثُ أَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ: فَمُنْقَطِعٌ لأَِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى لاَ يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وأما حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَمُنْقَطِعٌ, لأَِنَّهُ عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ. وأما خَبَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: فَلاَ يَصِحُّ; لاَِنَّهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْهُ, وَلَمْ يُدْرِكْهُ عَطَاءٌ, وَعَنْ مُنِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ, وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ, وَبَعْضُ رُوَاتِهِ يَقُولُ: مُتَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ, وَعَنْ بَقِيَّةَ, وَهُوَ ضَعِيفٌ, ثُمَّ عَنْ هِلاَلِ بْنِ مُرَّةَ, وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ, أَوْ عَنْ عُمَرَ, أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. قال أبو محمد: وَقَدْ عَارَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ خَبَرٌ مُرْسَلٌ أَيْضًا كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ طَاوُسٍ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا أَتَى الْيَمَنَ أُتِيَ بِالْعَسَلِ وَأَوْقَاصِ الْغَنَمِ, فَقَالَ: لَمْ أُؤْمَرْ فِيهَا بِشَيْءٍ. وَلَكِنَّا لاَ نَسْتَحِلُّ الْحِجَاجَ بِمُرْسَلٍ; لأَِنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: بَعَثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى الْيَمَنِ, فَأَرَدْت, أَنْ آخُذَ مِنْ الْعَسَلِ الْعُشْرَ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ: لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. فَقَالَ: صَدَقَ, هُوَ عَدْلٌ رَضِيٌّ. قال أبو محمد: وَبِأَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْعَسَلِ يَقُولُ مَالِكٌ, وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابُهُمْ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ قلنا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَلاَ يَجُوزُ إيجَابُ فَرْضِ زَكَاةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ إيجَابُهَا. فَإِنْ احْتَجُّوا بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى قِيلَ لَهُمْ: فَأَوْجِبُوهَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ مَعَادِن الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, وَفِي الْقَصَبِ, وَفِي ذُكُورِ الْخَيْلِ, فَكُلُّ ذَلِكَ أَمْوَالٌ لِلْمُسْلَمِينَ, بَلْ أَوْجَبُوهَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى, وَأَسْقَطُوهَا مِمَّا خَرَجَ مِنْ النَّخْلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ, فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ, وَفِي الأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. وَلَكَنَّهُمْ قَوْمٌ يَجْهَلُونَ وأما عُرُوضُ التِّجَارَةِ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ الْمُتَّخَذَةِ لِلتِّجَارَةِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُنْدَبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَمُرَةَ أَمَّا بَعْدُ, فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نَعُدُّ لِلْبَيْعِ. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا, غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا, ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلاَبَةَ: إنَّ عُمَّالَ عُمَرَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ, إنَّ التُّجَّارَ شَكَوْا شِدَّةَ التَّقْوِيمِ, فَقَالَ عُمَرُ: هَاهْ هَاهْ خَفِّفُوا. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا حَمَاسُ, أَدِّ زَكَاةَ مَالِك. فَقُلْت: مَا لِي مَالٌ إلاَّ جِعَابٌ وَأَدَمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا قِيمَةً ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ رُوِّينَاهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ بَأْسَ بِالتَّرَبُّصِ حَتَّى يَبِيعَ, وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِيهِ. وَبِخَبَرٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلاَّ أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. وقال بعضهم: الزَّكَاةُ مَوْضُوعٌ فِيمَا يَنْمِي مِنْ الأَمْوَالِ. مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا غَيْرَ هَذَا, وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ. أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَسَاقِطٌ; لأَِنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ مَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى, وَسَمُرَةَ رضي الله عنه مَجْهُولُونَ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُمْ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ, لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ; بَلْ لَوْ أَرَادَ عليه السلام بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ, أَمِنْ أَعْيَانِهَا, أَمْ بِتَقْوِيمٍ, وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عليه السلام يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لاَ يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلاَ كَيْفَ تُؤْخَذُ. وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ. كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ, إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ, فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ. فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ, لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ, وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لاَ يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ. وأما حَدِيثُ عُمَرَ; فَلاَ يَصِحُّ, لاَِنَّهُ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ, وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ حدثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا الأَسْوَدِ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ الأَسْوَدِ يَقُولُ: ذَكَرْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثَ ابْنِ حَمَاسٍ فِي الْمَتَاعِ يُزَكَّى, عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. فَقَالَ مَالِكٌ: يَحْيَى قَمَّاشٌ. قال أبو محمد: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْقُمَاشَ, وَهُوَ الْكُنَاسَةُ: أَيْ يَرْوِي عَمَّنْ لاَ قَدْرَ لَهُ، وَلاَ يَسْتَحِقُّ. وأما حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ فَمُرْسَلٌ; لأَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرُ بِعَقْلِهِ، وَلاَ بِسِنِّهِ. وأما حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ, مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ, وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ, فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ. وأما حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا, وَلاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَهُوَ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَشْهُورِ عَنْهُ فِي أَنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ وَاجِبَةً فِي فَائِدَةِ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ, وَالْمَاشِيَةِ حِينَ تُسْتَفَادُ, فَرَأَى الزَّكَاةَ فِي الثَّمَنِ إذَا بَاعُوهُ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حدثنا أَبِي عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ التَّنُّورِيِّ، حدثنا حَمَّادٌ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ: يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ, وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ. وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا عَطَاءٌ: وَهُوَ أَكْبَرُ أَصْحَابِهِ, عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وأما خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ; إلاَّ أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ, وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّينَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ; وَلِلْحَنَفِيِّينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ; وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ: خَالَفُوا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا; فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ, وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ, مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ, وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ, وَابْنِهِ. وَالشَّافِعِيُّ: يَرَى أَنْ لاَ يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلاَّ الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً, وَلَيْسَ هَذَا عَنْ عُمَرَ, وَلاَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ: أَنَّهَا لاَ زَكَاةَ فِيهَا, وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ، وَلاَ فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا; لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلاً; وَهَذَا خِلاَفُ عُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ; فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا رضي الله عنهما. وَقَدْ جَاءَ خِلاَفُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ الْخُوزِيُّ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَافِعٍ إذْ جَاءَهُ زِيَادٌ الْبَوَّابُ فَقَالَ لَهُ: إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: أَرْسِلْ زَكَاةَ مَالِك. فَقَامَ فَأَخْرَجَ مِائَةَ دِرْهَمٍ, وَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ, وَقُلْ لَهُ: إنَّمَا الزَّكَاةُ فِي النَّاضِّ. قَالَ نَافِعٌ: فَلَقِيت زِيَادًا فَقُلْت لَهُ: أَبْلَغْته. قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: فَمَاذَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ. فَقَالَ: قَالَ: صَدَقَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا أَرَى الزَّكَاةَ إلاَّ فِي الْعَيْنِ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ قَطَنٍ قَالَ: مَرَرْت بِوَاسِطَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, فَقَالُوا: قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: أَنْ لاَ تَأْخُذُوا مِنْ أَرْبَاحِ التُّجَّارِ شَيْئًا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حدثنا مُعَاذٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: أَتَيْت الْمَسْجِدَ وَقَدْ قُرِئَ الْكِتَابُ, فَقَالَ صَاحِبٌ لِي: لَوْ شَهِدْت كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَرْبَاحِ التُّجَّارِ أَنْ لاَ يُعْرَضَ لَهَا حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ. فَهَذَا ابْنُ الزُّبَيْرِ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَافِعٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ, وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ. وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. قال أبو محمد: وَحَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ خِلاَفٌ فِي ذَلِكَ لَمَا وَجَبَتْ شَرِيعَةٌ بِغَيْرِ نَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ لاَ يُشَكُّ فِي، أَنَّهُ قَالَ بِهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَقَدْ أَسْقَطَ الْحَنَفِيُّونَ الزَّكَاةَ عَنْ الإِبِلِ الْمَعْلُوفَةِ وَالْبَقَرِ الْمَعْلُوفَةِ, وَأَمْوَالِ الصِّغَارِ كُلِّهَا إلاَّ مَا أَخْرَجَتْ أَرْضُهُمْ. وَأَسْقَطَ الْمَالِكِيُّونَ الزَّكَاةَ عَنْ أَمْوَالِ الْعَبِيدِ, وَالْحُلِيِّ. وَأَسْقَطَهَا الشَّافِعِيُّونَ عَنْ الْحُلِيِّ, وَعَنْ الْمَوَاشِي الْمُسْتَعْمَلَةِ. وَكُلُّ هَذَا خِلاَفٌ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عُمَرَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا فَقَالَ: مَنَعَ الْعَبَّاسُ, وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ, وَابْنُ جَمِيلٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا, إنَّ خَالِدًا قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالُوا: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ طُلِبَتْ مِنْهُ فِي دُرُوعِهِ, وَأَعْبُدِهِ، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا إلاَّ أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ. قال أبو محمد: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ لاَ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ، وَلاَ إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ, صَدَقَ عليه السلام, إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ; هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ, وأما إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَاطِلٌ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ, وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةٌ. وَأَنَّهُ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا دُونَ الأَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ, وَعَمَّا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ وَالْحَبِّ; فَمَنْ أَوْجَبَ زَكَاةً فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يُوجِبُهَا فِي كُلِّ مَا نُفِيَ عَنْهُ عليه السلام الزَّكَاةُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَصَحَّ عَنْهُ عليه السلام لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي: عَبْدِهِ, وَلاَ فَرَسِهِ, صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ عليه السلام قَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ. وَأَنَّهُ عليه السلام ذَكَرَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِي: الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ, وَالْكَنْزِ فَسُئِلَ عَنْ الْخَيْلِ, فَقَالَ: الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ, وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ, وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَسُئِلَ عَنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إلاَّ هَذِهِ الآيَةَ الْفَاذَّةُ الْجَامِعَةُ: وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ, وَالْحَمِيرِ, وَالرَّقِيقِ, وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ, وَالْعَيْنِ. ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ, وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ. وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ, وَلاَ فِي الرَّقِيقِ, وَلاَ فِي الْحَمِيرِ, وَلاَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ; وَصَحَّ الإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ. ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةٌ; وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَجْمَعَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ: عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلاَ بُرْهَانٍ. وأما قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى, فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ; لأَِنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ. قلنا: وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ, وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى, وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ, وَالْخَيْلُ تَنْمَى, وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ, وَالإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى، وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ, وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى, وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ, وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى, وَلاَ زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ. قال أبو محمد: وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالَتْ: تُزَكَّى عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ أَعْيَانِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ. وَطَائِفَةً قَالَتْ: بَلْ نُقَوِّمُهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نُقَوِّمُهَا بِالأَحْوَطِ لِلْمَسَاكِينِ. وقال الشافعي: بَلْ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا بِهِ; فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ قَوَّمَهُ بِمَا هُوَ الأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ. وقال مالك: مَنْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ أَبَدًا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ, فَإِذَا نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ قَوَّمَ حِينَئِذٍ عُرُوضَهُ وَزَكَّاهَا. فَلَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ الدِّرْهَمِ هَاهُنَا, إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ. فَكَيْفَ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلاَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ, أَوْ حَبَّةُ فِضَّةٍ, أَوْ فَلْسٌ; كَيْفَ يَصْنَعُ. وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ: يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ. وقال مالك: الْمُدِيرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُقَوِّمُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّي, وأما الْمُحْتَكِرُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَبَسَ عُرُوضَهُ سِنِينَ إلاَّ حَتَّى يَبِيعَ, فَإِذَا بَاعَ زَكَّى حِينَئِذٍ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ: كِلاَهُمَا سَوَاءٌ, يُقَوِّمَانِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيَانِ. حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: لاَ صَدَقَةَ فِي لُؤْلُؤٍ, وَلاَ فِي زَبَرْجَدٍ, وَلاَ يَاقُوتٍ, وَلاَ فُصُوصٍ، وَلاَ عَرَضٍ، وَلاَ شَيْءٍ لاَ يُدَارُ. فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِين يُبَاعُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا. وقال الشافعي: لاَ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلاَّ الصَّيَارِفَةُ, وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة; وَمَالِكٌ; بَلْ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرْبَحْهُ إلاَّ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا عَجَبًا. وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيفَةٌ جِدًّا لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلاً, وَأَكْثَرُ ذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ, وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ رَدَّ هَؤُلاَءِ هَذَا الاِخْتِلاَفَ إلَى كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلاَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم . وَهَلْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ نَصًّا أَوْ دَلِيلاً عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْقُنْيَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا, فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا; فَاحْتَاطُوا لاِِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَوْجَبُوهَا بِجَهْلِهِمْ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ اشْتَرَى مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ, أَوْ زَرَعَ لِلتِّجَارَةِ, فَإِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَسْقُطُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ; وَكَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ, وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَسْقَطَتْهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ; وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَغْلِبُ الْبَاطِلَ. فَإِنْ قَالُوا: لاَ تَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ. قلنا: فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ لَيْتَ شِعْرِي إذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم .
|